الشخصية الاستقلالية... والشخصية التبَعية
د. أنطوان الشرتوني
Monday, 16-Nov-2015 00:00
مرحلة الطفولة أهمّ مراحل النموّ عند الإنسان، ليس فقط لناحية نموّه الفيزيولوجي، بل لأنّها تؤسّس لتكوين شخصيته. فهذه المرحلة تتّسِم بالتبَعية للوالدين حتى عمر الخامسة أو السادسة، حين تبدأ الشخصية بالتكوّن حتى مرحلة المراهقة. ترسو في المراهقة قواعد الشخصية المستقلّة بمساعدة الأهل الذين يجب أن يشجّعوا أولادَهم على الاستقلال عنهم. ولكنّ بعض الأشخاص لا يصِلون إلى تكوين الشخصية المستقلّة.
في ذكرى عيد الإستقلال، لا نتحدّث عن معنى الإستقلال النفسيّ، بل عن الشخصية الاستقلالية وسِماتها وأهمّيتها في حياة الإنسان اليومية، وعن صفات الشخص التابع.

ما هي الشخصية الاستقلالية؟

يتّسِم كلّ إنسان بشخصية معيّنة، أمّا الشخصية الاستقلالية فتُعرَف بانفتاحها على الآخر. ولا يَقتصر انفتاح هذه الشخصية على أسرتها وأصدقائها بل يتعدّاه إلى المجتمع ككلّ، حتّى إنّ بعض التعاريف تؤكّد أنّ الشخصية الاستقلالية لا تنتمي فقط إلى وطن بل إلى الإنسانية أجمع.

ومِن أهم سِمات هذه الشخصية عدمُ بناء القيود والحواجز مع الآخرين، والتعامل معهم بالتساوي، دون اعتبار أنّ هناك أشخاصاً أعلى مكانةً من آخرين.

ويَجد ذو الشخصية الإستقلالية صفات إيجابية في كلّ إنسان، فيما يغضّ النظر عن الصفات السلبية للآخر ويَبتعد عن نبذِه أو كرهه. وتتمتّع الشخصية الاستقلالية بحبّ الذات وتتعامل مع نفسِها بصورة طيّبة. لا يعني ذلك أنّ أصحاب الشخصية الاستقلالية لا مشاكلَ لديهم، ولكنّهم يعرفون كيف يتخطّونها بشكل ذكيّ ومتحرّر.

عندما تسيطر الشخصية الاعتمادية على التصرّفات وفي حين تَمنح الشخصية الاستقلالية صاحبَها الكرامة وعزّة النفس، يتمتّع أشخاص آخرون بشخصية تبَعية أو اعتمادية لا يمكنها فعل شيء سوى بمساعدة الآخرين. يبحث هؤلاء الأشخاص عن استمداد القوّة من الأصدقاء أو الأقارب أو من شخص ما.

هذه الشخصية تريد أن تحصل على كلّ شيء من الآخر بطريقة واعية أو غير واعية بدون أن تقوم بأيّ مجهود شخصي. تُعرف الشخصية الاعتمادية بسهولة الانقياد للآخرين، وبفقرِ المؤهّلات القيادية والاستقلالية، وهي قادرة على تقبّل النصائح واتّباع التعليمات بدون أيّ تذمّر، وتنفيذ الأوامر ومساعدة الآخرين.

أمّا بالنسبة للصفات الثانوية، فهذه الشخصية قادرة على الانخراط في علاقة عاطفية بسرعة، إذ إنّها لا تتمكّن من العيش والعمل بدون مساعدة أحد، وهي غير قادرة على اتّخاذ القرارت، وتَخاف من التعرّض للرفض والهَجر.

أمّا على صعيد التحليل النفسي، فتُظهِر هذه الشخصية نوعاً من الخوف اللاواعي من الحرّية لأنّها لا تعرف معنى الاستقلالية وأخذ المبادرات بدون تدخّل طرَف آخر، إذ إنّ قرارها كان دائماً بيَد غيرها.

هل الشخصية الإعتمادية قابلة للتغيير؟

هناك العديد من الخطوات العملية لغرسِ مفهوم الاستقلالية عند الأشخاص الذين لم يعرفوا يوماً هذا المعنى. ومن هذه الخطوات:

• الإيمان بالذات وبالقدرات التي تكمن عند كلّ شخص.

• الثقة بالنفس التي يمكن أن تجعل الإنسان أكثرَ انفتاحاً ومعتمداً على نفسه. والثقة لا تتكوّن فجأةً بل هي عمل دؤوب على التصرّفات وكيفية النظر للذات.

• الابتعاد عن التأثيرات السلبية الكامنة في الذات والتي تمنَع من الإستقلالية، وتجنّب الأصدقاء السلبيين الذين يتعرّضون باستمرار لاستقلالية الآخرين من خلال انتهاكها.

الزواج من شخص ذي شخصية تبَعية

نلاحظ في إطار عدد من الزيجات، أنّ المرأة تابعة كلّياً لزوجها ليس فقط على الصعيد المادي بل أيضاً على الصعيد العاطفي. فنجد ذوباناً في شخصية الآخر حتى تكاد المرأة ملغيةً بوجود زوجها، لا هوية لها ولا حضور. هذا النوع من الزواج، لا يُكتَب له التوفيق عادةً، خصوصاً إذا كان الرجل متحرّراً وذا شخصية منفتحة واستقلالية.

هذه بعض النصائح للسيّدات اللواتي يعانين من التبَعية:

• أوّلاً، الاستمتاع بالحياة. فالحياة هدية من الخالق يجب استغلال كلّ دقيقة فيها بطريقة إيجابية. ولا يجب النظر إليها بعيون الآخرين بل بعيوننا.

• ثانياً، تحمُّل المصاعب والمشاكل بطريقة موضوعية وعدم التهرّب منها بل مواجهتها رغم الصعوبة، وعدم اللجوء إلى الآخرين لحلّ المشاكل، إنّما الاتّكال على الذات.

• ثالثاً، أخذُ بعض القرارات حتى لو كانت تافهة وبسيطة. فيمكن البدء بأخذ قرار ثمّ الانتقال إلى آخر ... حتى الوصول إلى استقلالية تامّة بأخذ وتنفيذ القرارات، علماً أنّ هذه العَملية ليست بسيطة، ولكنّها أيضاً غير صعبة.

• رابعاً، لا تعني أبداً الاستقلالية عن الرجل مقاومتَه والتمرّد عليه... بل تعني المقدرة على أخذ القرارات الشخصية بشكل ديمقراطي وغير تابع، بالتناسق والتفاهم مع الشريك. فهو ينتظر منكِ المشاركة بالقرارات.
الأكثر قراءة